فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يزجي} قال: يجري.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عطاء الخراساني رضي الله عنه في قوله: {يزجي لكم الفلك} قال: يسيرها في البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال: {الفلك} السفن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله: {إنه كان بكم رحيمًا} قال: نزلت في المشركين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو يرسل عليكم حاصبًا} قال: مطر الحجارة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أو يرسل عليكم حاصبًا} قال: حجارة من السماء {ثم لا تجدوا لكم وكيلًا} أي منعة ولا ناصرًا {أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى} أي مرة أخرى في البحر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فيرسل عليكم قاصفًا من الريح} قال: التي تغرق.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: القاصف والعاصف في البحر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قاصفًا} قال: عاصفًا. وفي قوله: {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا} قال: نصيرًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {تبيعًا} قال: ثائرًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا} قال: لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}
قوله تعالى: {إِلاَّ إِيَّاهُ}: فيه وجهان، أحدهما: أنه استثناءٌ منقطعٌ لأنه لم يَنْدَرِجْ فيما ذُكِر، إذ المرادُ به آلهتُهم من دون الله. والثاني: أنه متصلٌ؛ لأنهم كانوا يَلْجَؤون إلى آلهتِهم وإلى اللهِ تعالى.
قوله تعالى: {أَفَأَمِنْتُمْ}:
استفهامُ توبيخٍ وتقريعٍ. وقدَّر الزمخشري على قاعدتِه معطوفًا عليه، أي: أَنَجَوْتم فَأَمِنْتُمْ.
قوله: {جَانِبَ البر} فيه وجهان أظهرهما: أنه مفعولٌ به كقوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} [القصص: 81]. والثاني: أنه منصوبٌ على الظرف. و{بكم} يجوز أن تكونَ حاليةً، أي: مصحوبًا بكم، وأَنْ تكونَ للسببية. قيل: ولا يَلْزَمُ مِنْ خَسْفِه بسببهم أن يَهْلَكوا. وأُجيب بأنَّ المعنى: جانبَ البر الذي أنتم فيه فيلزم بخَسْفِه هلاكُهم، ولولا هذا التقديرُ لم يكنْ في التوعُّدِ به فائدةٌ.
قوله: {أَن يَخْسِفَ} {أو يُرْسِلَ} {أن يُعِيْدَكم} {فَيُرْسِلَ} {فَيُغرْقكم} قرأ هذه جميعَها بنون العظمة ابنُ كثير وأبو عمروٍ، والباقون بالياءِ فيها على الغيبة. فالقراءةُ الأولى على سبيل الالتفاتِ مِن الغائبِ في قوله: {رَّبُّكُمُ} [الإسراء: 66] إلى آخر، والقراءةُ الثانيةُ على سَنَنِ ما تقدَّم من الغَيْبَةِ المذكورة.
قوله: {حاصِبًا}، أي: ريحًا حاصِبًا، ولم يؤنِّثْه: إمَّا لأنه مجازيٌّ، أو على النسَبِ، أي: ذاتَ حَصْبٍ. والحَصْبُ: الرميُ بالحَصَى وهي الحجارةُ الصغار. قال الفرزدق:
مُسْتَقْبِلين شَمالَ الشامِ تَضْرِبُهم ** حَصْباءُ مثلُ نَدِيْفِ القُطْنِ مَنْثُورِ

والحاصِبُ أيضًا: العارِضُ الذي يَرْمِي البَرَد.
قوله تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ}:
يجوز أَنْ تكونَ المتصلة، أي: أيُّ الأمرين كائن؟ ويجوز أَنْ تكونَ المنقطعةَ، و{أَن يُعِيدَكُمْ} مفعولٌ به ك {أَن يَخْسِفَ}.
قوله: {تارةً} بمعنى مرةً وكَرَّة، فهي مصدرٌ، ويُجمع على تِيَرٍ وتاراتٍ. قال الشاعر:
وإنسانُ عيني يَحْسِرُ الماءُ تارةً ** فَيَبْدُ وتارات يَجُمُّ فَيَغْرَقُ

وألفُها تحتمل أن تكونَ عن واوٍ أو ياء. وقال الراغب: وهو فيما قيل: مِنْ تارَ الجُرْحُ: التأَمَ.
قوله: {قاصِفًا} القاصِفُ يحتمل أن يكون مِنْ قَصَفَ متعديًا، يقال: قَصَفَتِ الريحُ الشجرَ تَقْصِفها قَصْفًا. قال أبو تمام:
إنَّ الرياحَ إذا ما أَعْصَفتْ قَصَفَتْ ** عَيْدانَ نَجْدٍ ولم يَعْبَأْنَ بالرَّتَمِ

فالمعنى: أنها لا تُلْفِي شيئًا إلا قَصَفَتْه وكَسَرَتْه. والثاني: أن يكون مِنْ قَصِفَ قاصرًا، أي: صار له قَصِيف يقال: قَصِفَتِ الريحُ تَقْصَفُ، أي: صَوَّتَتْ. و{مِّنَ الريح} نعت.
قوله: {بِمَا كَفَرْتُمْ} يجوز أن تكونَ مصدريةً، وأن تكونَ بمعنى الذي، والباءُ للسببية، أي: بسببِ كفرِكم، أو بسبب الذي كفَرْتم به، ثم اتُّسِع فيه فَحَذِفت الباءُ فوصل الفعلُ إلى الضميرِ، وإنما احتيج إلى ذلك لاختلافِ المتعلق.
وقرأ أبو جعفرٍ ومجاهد: {فَتُغْرِقَكم} بالتاء من فوقُ أُسْند الفعلُ لضمير الريح. وفي كتاب الشيخ {فتُغْرِقَكم} بتاء الخطاب مسندًا إلى {الريح}. والحسنُ وأبو رجاء بياء الغيبة وفتح الغين وشدِّ الراء، عَدَّاه بالتضعيف والمقرئ لأبي جعفر كذلك إلا أنه بتاء الخطاب. قلت: وهذا: إمَّا سهوٌ، وإمَّا تصحيفٌ من النسَّاخ عليه؛ كيف يَسْتقيم أن يقولَ بتاءِ الخطاب وهو مسندٌ إلى ضمير الريح، وكأنه أراد بتاء التأنيث فسبقه قلمُه أو صَحَّف عليه غيرُه.
وقرأ العامَّة {الريحِ} بالإِفراد، وأبو جعفر: {الرياح} بالجمع.
قوله: {بِهِ تَبِيعًا} يجوز في {به} أن يَتَعَلَّق بـ {تَجِدوا}، وأن يتعلَّقَ بتبيع، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه حالٌ مِنْ تبيع. والتَّبِيْع: المطالِبُ بحقّ، المُلازِمُ، قال الشمَّاخ:
كما لاذَ الغَريمُ من التَّبيعِ

وقال آخر:
غَدَوْا وغَدَتْ غِزْلانُهم فكأنَّها ** ضوامِنُ مِنْ غُرْمٍ لهنَّ تَبيعُ

اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 68-69] ثم ورد بعد هذا بآيات: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 75] {ثم} قال بعد: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} [الإسراء: 86]، للسائل أن يسأل عن وجه ختم الآية الأولى بقوله: {لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا} والثانية بقوله: {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} والثالثة بقوله: {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} والرابعة بقوله: {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} والجواب: أن معنى كل آية منها استدعى تعقيبها بما به أعقبت، فأما الأولى فلما تقدمها قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] أي اضمحل تعلقكم بشيء من أندادكم ومعبوداتكم سواه، وبطل ذلك، ولجأتم إليه سبحانه، كما قال في آية أخرى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، فلما دعوتموه ونجاكم إلى البر أعرضتم ورجعتم إلى ما كنتم قبل من شرككم وظنكم أن قد أمنتم عذابه، أفأمنتم عذابه {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ} [الإسراء: 68] أي يقلب بكم جانب البر، وهو الذي حملكم وأقلكم عند انفصالكم من البحر، ونجاتكم منه، وذلك جانب من البر إذ ليس البر كله هو المستقل بهم إذ ذاك، وإنما هم في قطعة من البر وجانب من الأرض، والأرض كلها لله سبحانه، أفأمنتم أخذه سبحانه لكم بالخسف وإرسال حاصب من الريح وهي الرييح الشديدة، ترميكم بالحصباء حتى تهلككم رجمًا، ثم لا تجدوا إذ ذاك من يتوكل بصرف ذلك عنكم ودفعه عن إهلاككم، فيتدارككم المتوكل لكم بدفع ذلك وصرفه عنكم، فتحصلون في حزب الناجين بعد مشاهدة الهلاك، هل تجدون برًا، فهذا تقدير دافع قبل الإمضاء. ثم قال: {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 69] أي مطالبًا يطلبنا بثأركم بعد إهلاككم بغرقكم، فلما كان القدر تعلقهم به من بعد الموت والتلف بالإغراق ناسب ذلك ولاءنه تسمية هذا المقدر الطالب تبيعًا، ولأنه يتبع بعد الموت، كما يسمى طلب ذمة من مات تبعًا واتباعًا، ومنه {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [القرة: 178] والتابع من يجيء بعد. ولما كان المقدر في الآية الأولى دافعًا قبل الفوت ومانعًا دون الاستئصال ناسبه العبارة: بوكيل لأنه الذي يدفع ويمنع الوصول أو الاستئصال، فجاء كل على ما يجب، ولم ين ليلائم ختام هذه الآية ختام تلك ولا ختام تلك ما ختمت به هذه وأما قوله: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75] فالمراد تضعيف عذاب الآخرة وعذاب القبر، والتضعيف التكثير، فختم هذه الآية بقوله: {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 75] أبين شيء، لأن الامتحان عندنا في الشاهد، وإذاقه العذاب إنما تكون من ذي استعلاء وقهر، فيلجأ فيه إلى الناصر إن وجد. وأما قوله في الآية بعد هذا: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86]، أي لنرفعن القرآن ونذهبه من الصدور ثم لا تجد وكيلًا يمنعنا عن ذلك، ولا من يقوم بدفعنا عنه، وليس هنا ما يستدعي الانتصار.
{فكل} من هاتين الآيتين على ما يجب ويناسب، ولا يلائم ختام هذه الآية ختام ما قبلها، ولا ما ختمت به الآية قبلها، وذلك بحول الله تعالى. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)}.
تعرَّف إلى عباده بخَلْقِه وإنعامه، فما من حادثٍ من عينٍ أو أثرٍ أو طَلَلٍ أو غََبَرٍ إلا وهو شاهِدٌ على وحدانيته، دالٌّ على ربوبيته.
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}
وجُبِلَ الإنسانُ على أنه إذا أصابته نقمةٌ، أو مَسَّتْه محنة فَزْعَ إلى الله لاستدفاعها، وقد يُعْتَقَدُ أنهم لن يعودوا بعدها إلى ما ليس فيه رضاء الله، فإذا أزال اللَّهُ تلك النقمة وكَشَفَ تلك المحنة عادوا إلى ما عنه تابوا، كأنهم لم يكونوا في ضُرِّ مَسَّهم، وفي معناه أنشدوا:
فكم قد جهلتم ثم عُدْنا بِحِلْمِنا ** أحباءَنا كم تجهلون! وَتَحْلمُ!

{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ}
الخوفُ ترقُّبُ العقوبات مع مجاري الأنفاس- كذلك قال الشيوخ. وأعرفُهم بالله أخوفُهم من الله. وصنوفُ العذابِ كثيرة؛ فكم من مسرورٍ أَوَّل ليْلهِ أصبح في شِدَّة! وكم من مهموم بات يتقلب على فراشه أصبح وقد جاءته البشرى بكمال النِّعم! وفي معناه قالوا: إِن من خاف البيان لا يأخذه السُّبات. ووصفوا أهل المعرفة فقالوا:
مستوفزون على رِجْلٍ كأنهمو ** يريدون أن يمضوا ويرتحلوا

اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {وَتَظُنُّونَ إنْ لَبِثْتُمْ إلَّا قَلِيلًا}
قَالَ الحسن: {إنَّ لَبِثْتُمْ إلَّا قَلِيلًا} فِي الدُّنْيَا لِطُولِ لُبْثِكُمْ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قِيلَ كَأَنَّك بِالدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ وَكَأَنَّك بِالْآخِرَةِ لَمْ تَزَلْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ بِهِ احْتِقَارَ أَمْرِ الدُّنْيَا حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ قَالُوا: رُؤْيَا غَيْرِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا أَخْبَرَ الْمُشْرِكِينَ بِمَا رَأَى كَذَّبُوا بِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ أَرَادَ بِرُؤْيَاهُ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ مَكَّةَ.
قَوْله تَعَالَى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ: أَنَّهُ أَرَادَ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي قَوْلِهِ: {إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ} فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: مَلْعُونَةَ أَنَّهُ مَلْعُونٌ أَكْلُهَا.
وَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ بِهَا قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: وَدُونَهُ النَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ فَكَيْفَ تَنْبُتُ فِيهَا؟.
قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك} هَذَا تَهَدُّدٌ وَاسْتِهَانَةٌ بِفِعْلِ الْمَقُولِ لَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ وَالِانْتِقَامُ مِنْهُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: اجْهَدْ جُهْدَكَ فَسَتَرَى مَا يَنْزِل بِك.
وَمَعْنَى اسْتَفْزِزْ اسْتَزِلَّ يُقَالُ اسْتَفَزَّهُ وَاسْتَزَلَّهُ بِمَعْنًى.
وَقَوْلُهُ: {بِصَوْتِك} رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ الْغِنَاءُ وَاللَّهْوُ وَهُمَا مَحْظُورَانِ وَأَنَّهُمَا مِنْ صَوْتِ الشَّيْطَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يَدْعُو بِهِ إلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكُلُّ صَوْتٍ دُعِيَ بِهِ إلَى الْفَسَادِ فَهُوَ مِنْ صَوْتِ الشَّيْطَانِ.
قَوْله تَعَالَى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ} فَإِنَّ الْإِجْلَابَ هُوَ السَّوْقُ بِجَلَبَةٍ مِنْ السَّائِقِ، وَالْجَلَبَةُ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ.
وقَوْله تَعَالَى: {بِخَيْلِك وَرَجْلِك} رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: كُلُّ رَاجِلٍ أَوْ مَاشٍ إلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَهُوَ مِنْ رَجْلِ الشَّيْطَانِ وَخَيْلِهِ.
وَالرَّجْلُ جَمْعُ رَاجِلٍ كَالتَّجْرِ جَمْعُ تَاجِرٍ وَالرَّكْبُ جَمْعُ رَاكِبٍ.
قَوْله تَعَالَى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} قِيلَ: مَعْنَاهُ كُنْ شَرِيكًا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْهُ مَا يَطْلُبُونَهُ بِشَهْوَتِهِمْ وَمِنْهُ مَا يَطْلُبُونَهُ لِإِغْرَائِك بِهِمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَوْلَادِ يَعْنِي الزِّنَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَوْءُودَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مِنْ هُوِّدُوا وَنُصِّرُوا.
وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةُ: تَسْمِيَتُهُمْ عَبْدَ الْحَارِثِ وَعَبْدَ شَمْسٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا احْتَمَلَ هَذِهِ الْوُجُوهَ كَانَ مَحْمُولًا عَلَيْهَا وَكَانَ جَمِيعُهَا مُرَادًا؛ إذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ فِي الْإِغْرَاءِ بِهِ وَالدُّعَاءِ إلَيْهِ. اهـ.